عبد العزيز الزامل 1941 – 2019

Jubail in the 1920s before the Kingdom's industrialization process started
H.E. Abdulaziz Al Zamil at SABIC's office during the early days of his career
An official visit at Ar-Razi's facilities
An arial image of SADAF's plants
At an official event representing SABIC
Black and white image with a delegation during an official visit to France
H.E. Al Zamil attening an event alongside executives from Huntsman Corporation
H.E. Al Zamil at an official gathering with King Khalid
H.E. Al Zamil when he became Minister with Ghazi Al Gosaibi
His Excellency passing through an archway at a past Annual GPCA Forum edition

يُعد معالي عبد العزيز الزامل واحداً من ألمع الشخصيات في تاريخ قطاع الكيماويات، وارتبط اسمه بتأسيس القطاع في المملكة العربية السعودية. وبوصفه أول رئيس تنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية ’سابك‘، أرسى الزامل الركائز التي  قادت الشركة نحو العالمية، لتصبح إحدى أهم اللاعبين في قطاع الكيماويات على مستوى العالم. وخلال توليه منصبي وزير الصناعة والكهرباء في المملكة العربية السعودية ورئيس مجلس إدارة سابك (1983 – 1995)، كانت للزامل إسهامات ملموسة في مسيرة التنمية الصناعية وتطوير القطاع الخاص، انطلاقاً من إسهامه في تأسيس واحدة من أهم الشركات الكيماوية في العالم، وصولاً إلى تطوير قدرات القوى العاملة السعودية الكفوءة وإرساء أنظمة محفزة لإستثمار القطاع الخاص السعودي في تطوير مجمعات لإنتاج البتروكيماويات، ليصبح بلا شك واحداً من أهم وأبرز قادة القطاع في عصرنا الحالي. وتكريماً لجهوده وإنجازاته خلال مسيرته المهنية، منح الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا) جائزة “الرواد” لعام 2019 للراحل معالي المهندس عبد العزيز الزامل.

نشأته وبدايات مسيرته المهنية

ولد عبد العزيز الزامل عام 1941 لأسرة سعودية تقطن في محافظة عنيزة داخل المملكة، وقضى معظم فترة طفولته في البحرين حيث أسس والده شركته الخاصة. التحق الزامل بإحدى الكليات التقنية في المملكة المتحدة، حاز بعدها على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الصناعية من جامعة كاليفورنيا الجنوبية في الولايات المتحدة عام 1967.

ومنذ سن مبكرة، كرّس الزامل حياته وجهوده لدعم وبناء المستقبل الصناعي لوطنه عبر السعي لتحقيق التميز العلمي والمهني. وعقب إتمام دراسته، عاد الزامل إلى المملكة العربية السعودية ليلتحق بالقسم التقني ضمن الدار السعودية للخدمات الاستشارية، وهي هيئة حكومية أسستها وزارة التجارة والصناعة السعودية عام 1967 بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو). وفي عام 1974، تبوأ الزامل منصب نائب المدير العام للدراسات الصناعية ومركز التطوير، لتكون تلك نقطة الانطلاق في مسيرته المهنية.

قيادة سابك

شهدت فترة السبعينيات من القرن الماضي إرساء الأسس التي تحولت على إثرها المملكة العربية السعودية إلى قوة صناعية رائدة. وانطلاقاً من توجيهات القيادة الرشيدة، بدأت المملكة بتطبيق خطة رائدة للاستفادة من الإمكانات الاقتصادية  لموارد الغاز المصاحب الذي كان يحرق هدراً  في تطوير قطاع الصناعات  البتروكيماوية .

ولهذا الغرض، كلف غازي القصيبي، وزير الصناعة والكهرباء ، عبدالعزيز الزامل، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 33 عاماً،  بمهمة لعب على إثرها دوراً محورياً في مسيرة التحول، عبر قيادة فريق عمل مؤلف من ثمانية موظفين من الدار السعودية للدراسات الإستشارية (أطلق عليهم القصيبي لاحقاً “آباء سابك”) لتقييم جدوى عدد من المشاريع الصناعية، والتي شملت بعضاً من المشاريع الضخمة في جبيل وينبع.

أما المنصب الأهم والأبرز في مسيرة الزامل المهنية فأتى بعد ذلك بعدة أعوام، حين تأسست شركة ’سابك‘ عام 1976، ليُكلف أيضاً من قبل غازي القصيبي باستلام زمام القيادة، ويصبح بذلك الرئيس التنفيذي الأول في تاريخ الشركة. وبفضل خصال القيادة والنزاهة التي تميز بها، إلى جانب إلمامه بجوانب القطاع الفنية، كان الزامل الاختيار الأمثل لتولي هذا المنصب.

ولم تكن قيادة ’سابك‘ نحو النجاح مهمة سهلة، حيث واجه القصيبي والزامل  خلال مرحلة البدايات العديد من الصعوبات، بما فيها نقص المعارف الفنية، وندرة الموظفين المُدربين، والبعد عن الأسواق الخارجية. ورغم ذلك، لم تقتصر إنجازات الزامل على تجاوز هذه العقبات فحسب، بل تمكن أيضاً من تسطير نجاحات استثنائية في مواجهة كافة التحديات التي اعترضته.

بناء نجاحات سابك

نجح الزامل، بالتعاون الوثيق مع القصيبي، بتأسيس شركة ’سابك‘ من الصفر. وعلى الرغم من الشكوك التي أبداها الغرب بشأن مستقبل الشركة، تمكن الزامل من استقطاب الشركاء الأجانب، والتفاوض على شروط تفضيلية، فضلاً عن بناء الشراكة على أساس توظيف وتدريب فريق عمل من الموظفين السعوديين ذوي الإمكانات والهمم العالية. وبحلول سبعينات القرن الماضي، وفي ضوء القيادة المستنيرة للزامل، أنطلقت أعمال ’سابك‘ من خلال إطلاق 12 مشروعاً مشتركاً في ذات الوقت.

ويعتبر تأسيس الشركة العربية للبتروكيماويات ’بتروكيميا‘، كشركة فرعية مملوكة بالكامل لصالح ’سابك‘، إنجازاً  رئيسيا ًفي تاريخ الشركة، وشهادة على الفكر الجريء والمقدام الذي يتحلى به الزامل. وكان من المقرر بدايةً إطلاق الشركة كمشروع مشترك بين ’سابك‘ و’داو كيمكال‘، إلا أن الأخيرة أعلنت انسحابها من المشروع، ليواجه الزامل قراراً صعباً بين التخلي عن المشروع أو استكماله وحيداً. وبالتشاور مع غازي القصيبي، قرر الزامل المضي قدماً في المشروع الذي سطر نجاحاً فريداً على الرغم من كافة الشكوك التي أحاطت به. واكتسبت ’سابك‘ الثقة المطلوبة بفضل النجاح الذي جسد نقطة الانطلاق نحو المكانة الرائدة عالمياً التي تتمتع بها اليوم في قطاع الكيماويات. ومن ناحية أخرى، كان الزامل أحد أكبر المناصرين للتعاون المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي. وفي عام 1980، وتحت قيادة غازي القصيبي، لعب الزامل دوراً محورياً في بلورة التعاون بين ’سابك‘ والحكومة البحرينية وشركة الصناعات البتروكيماوية في الكويت لتأسيس شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات، والتي تُعد المشروع المشترك الوحيد من نوعه والأنجح في منطقة الخليج العربي.

الزامل وزيراً للصناعة والكهرباء

في 22 كتوبر 1983، وتزامناً مع نجاح ’سابك‘ في الدخول إلى أسواق جديدة، عُيّن الزامل وزيراً للصناعة والكهرباء في المملكة العربية السعودية، ورئيساً لمجلس إدارة ’سابك‘، خلفاً لغازي القصيبي. ومنذ ذلك اليوم، تسلم الزامل زمام  جهود التحول الصناعي في المملكة العربية السعودية.

ومن أبرز إنجازاته في منصبه الوزاري تطوير القطاع الصناعي الخاص في المملكة العربية السعودية، والعمل على توسيع وتحسين الوصول إلى الكهرباء في كافة أنحاء المملكة.

ولطالما نظر الزامل إلى ’سابك‘ بوصفها محفزاً للتنمية الصناعية ولتمكين  قطاعات الصناعات التحويلية على الصعيدين المحلي والدولي. وأسهمت جهوده السديدة الرامية إلى تأسيس حضور تسويقي عالمي قوي في وضع أساسات النمو العالمي الاستثنائي الذي حققته ’سابك‘ في السنوات التالية. وبحلول نهاية عام 1995، وتزامناً مع تنحيه عن منصب رئيس مجلس إدارة الشركة، امتلكت ’سابك‘ خمسة مكاتب عالمية وستة مكاتب للمبيعات والخدمات تغطي مناطق آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب 16 مركز توزيع ومنشأة تخزين على امتداد أمريكا الشمالية وآسيا وشمال أفريقيا وأوروبا. وبالإضافة لذلك، شهدت تلك الفترة إطلاق أولى شركات التسويق الفرعية التابعة للشركة، وهي شركات ’سابك أوروبا‘ و’سابك الأمريكيتين‘ و’سابك اليابان‘.

وحين أنهى الزامل فترة عمله في الشركة عام 1995، كانت ’سابك‘ تسير على الطريق الصحيح لتحقيق نجاح منقطع النظير، إذ بلغت عائدات المبيعات ما يقارب 7 مليارات دولار أمريكي، إلى جانب أصول بقيمة 16 مليار دولار أمريكي.

تأسيس القطاع الصناعي الخاص في المملكة

بعد تقاعده من منصبه الوزاري، عاد الزامل للعمل في شركته العائلية “مجموعة الزامل”، ليساعد في بناء حضورها الدولي ومحفظتها المتميزة من شركات الكيماويات. وفي عام 1999، أسس الزامل، بالتعاون مع الدكتور عبد الرحمن الزامل، الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات (سبكيم)، وحرص على إختيار  أفضل  الكوادر الوطنية لإدارتها وتبني أحدث التقنيات والمعدات والتجهيزات اللازمة للنجاح وترسيخ حضورها في سوق البتروكيماويات. وتزامناً مع النمو المستمر الذي حققته الشركة، تعاون الزامل مع مجموعة من المستثمرين لإطلاق شركة الصحراء للبتروكيماويات، والتي شاركت لاحقاً في إطلاق عدد من المشاريع المشتركة الناجحة، مثل شركة الواحة وشركة التصنيع والصحراء للأوليفينات.

تطوير المواهب المحلية

كان تطوير المواهب والقدرات المحلية أحد أهم الإنجازات التي حققتها ’سابك‘ برأي عبد العزيز الزامل، في انعكاس للالتزام الكبير الذي أبداه اتجاه مستقبل وطنه، والمتمثل في طاقاته البشرية. وبحلول تسعينات القرن الماضي، تلقى أكثر من 15 ألف مواطن سعودي التدريب اللازم للعمل ضمن القطاع. كما استطاع الزامل بناء القدرات الإدارية والمهارات العملية للموظفين.

وتجلت رؤيته المستقبلية في تولي الموظفين السعوديين لكافة مسؤوليات شركة ’سابك‘، وهو إنجاز تفخر به الشركة في الوقت الحالي. وإلى جانب ذلك، أطلق الزامل ودعم عملية توطين الوظائف في المملكة (السعودة)، ليبدأ حملة توظيف ضخمة شملت كافة أنحاء المملكة، وهدفت إلى توظيف وتطوير قدرات المواهب السعودية الشابة، وإتاحة الفرصة لهم للحصول على خبرات عملية قيّمة ضمن المشاريع المشتركة التابعة لـ’سابك‘ في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.

الجوائز والتكريمات الإقليمية والدولية

خلال مسيرته المهنية الحافلة بالإنجازات تولى الزامل العديد من المناصب التنفيذية لدى “سابك” والشركات التابعة لها ومن ضمنها منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات في البحرين و”شركة مجموعة الزامل القابضة”. وبالإضافة إلى ذلك، شغل الزامل منصب رئيس مجلس الإدارة لدى مصرف الإنماء، وتولى رئاسة مجلس إدارة كل من شركة الصحراء للبتروكيماويات، والشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات (سبكيم)..

وحظيت الإنجازات الاستثنائية التي سطرها الزامل خلال حياته باعتراف وتقدير عالمي واسع. ولطالما حظي الزامل بدعم كبير وثقة مطلقة من القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية، وتعاون عن كثب مع زملائه وأقرانه بهدف بناء قطاع كيماويات ناجح ومزدهر. وفي عام 1984، قُلِّد الزامل وسام الملك عبد العزيز من قبل المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، لقاء إسهاماته الراسخة في مسيرة تطوير وتنمية المملكة. كما حاز الزامل على جائزة ’ريتشارد جي بولت‘ للصناعات الداعمة عام 2015، التي تقدمها “مؤسسة التراث الكيميائي” (المعروفة حالياً باسم مؤسسة تاريخ العلوم).

ترك عبد العزيز الزامل إرثاً لا مثيل له امتد لأربعين عاماً، سطّر خلالها إنجازات ريادية في تنمية وتطوير قطاع الكيماويات في المملكة العربية السعودية، وأرسى مثالاً يحتذى به لخصال القيادة والمثابرة والتواضع والنزاهة. وفي أوقات التحديات الكبرى، كان الزامل قادراً على تجاوز كافة العقبات التي واجهت المملكة في فترة مخاض صناعة البتروكيماويات فيها. وستبقى إنجازاته قدوة عليا ومنارةً تهتدي بها أجيال المستقبل.